Details
Nothing to say, yet
Nothing to say, yet
ثم انفع قدم لكم مأساة أمه بقدم رحمه ديمورك عرفت الحمراء منذ عشرين عاما أو يزير عرفتها يوم حذلت قرية فلوريل السويسرية في قبن الجبل أبتغي الشفاء في مصحاتها من مرض كاد يوديبي وهذه الحمراء امرأة فرنسية منمت إلى القصر أميل وإلى الامتلاء أقرب ولا يبرح قلبي حتى اليوم شبحها في لبسة السوادي لا تكاد تستبدل بها سواها وهي تخض ناشطة في متجرها وتروح وقد توج رأسها شعر يتوهج في صبغاته الحمراء وانتعت من عينيها الضيقتين نظرات تطلع وفضول وعلى وجهها المطهم العريض يتجلى إشراق ما تكاد تلمح قادما على المتجر حتى تقبل عليه قد ملأت يديها ببعض ما لديها من قرائف السلع وانطلق لسانها في حاليث يأخذ بعضه برقاب بعض رسعه باتسامات عذاب وضحكات رقاق فخنون من الإشارة والإيماء تثير البهجة والإئتناس وهيهات لك أن تريم متجرها إلا وقد تأبطفت رزمة لم يكن يخطر ببالك أن تبتاع مما حوت شيئا ولا تلبث بعد أن تغادر المتجر وقد ذهب عنك سحره أن تستفيق دهشا تسائل نفسك كيف جاز عليك أن تنفق ما أنفقت في شراء هذه الأخلاق من قطع الحلوى وصناديق البخت والأقلام الملونة وما إليها من لعب الصغار ولعلك تترصد لأول طارئ عليك من الأطفال لك تتخفف مما تحمل فتلقي به إليه بسفاوة وارتياح على أنك مع هذا ربنا بقيت على شوق إلى غدك وإذا أنت منساق إلى المتجر تصافح الحمراء وتستمع إلى حديثها الفياضة ولا تنصرف عنها إلا متأبطا رزمتك من توافه الأشياء ضافتني قرية فلوزل قرابة عام كنت قلاله أختلف إلى متجر الحمراء حينا بعد حين وفصلت عن القرية عائدا إلى الوطن أحمد لها ما أفاءت علي من عافية وكلما قصدت إلى سويسرا على تعاقب الأصياف جعلت من همي أن أصعد إلى تلك القرية الجبالية أحيي فيها بعض الذكريات وأزور بعض الأصدقاء وفي طليعتهم صاحبتنا الحمراء في متجرها الرشيق أجلس ساعة وهي من حولي تطوف ولا تفتأ تطوف كأنها النحلة الخفاقة ضحكاتها تجلجل وروحها يشيع المراح وأنا في يلستي أتصفح مرائي ذلك العام الهادئ الوادع الذي قضيته في هذه القرية مستشفيا أنشد لصدر النقاء والصفاء كانت حياتي في ذلك العام ساكنة رخية ليس فيها من مظاهر الحركة والنصافي إلا متجر الحمراء وكان بيت القصير فيه طفلا لا يعد الخمسة أزرق العين رنان الصوت لا يدلف إلى المتجر ويجول فيه حتى يمرق إلى الطريق في جلبة وضجيج وهو يقفز بعجلته القشبية على أديم الأرض فتنبعث لها قعقعة موصولة والحمراء تدعه نظرة حنان ولا تعثم أن تميل علي قائلة معذرة يا سيدي إنه كثير الصخب ولكنه طيب القلب كأبي وما هي إلا أن تشهد وتستأنف القول محزونة النبرات كلما سمعت صوته الحاد وشهدت عينه الزرقاء ذكرت الراحلة أباه وتهيم بنظراتها في الفضاء كأنها ترتاد مجاهل الآفاق ولكن سرعان ما تنجاب عن محياها سحابة الاكتئاب وتعاودها نشطتها المرحة فتقبل على السلع تعرضها في حديث طلي أخاذ حجرت الحمراء موطنها الفرنسي طوعا لحاجة زوجها إلى الاستشفاء في قرية فلوزيل وهي يومئذ ذات حمل وشد ما عانت من مشقات ومصاعب في بادي الأمر فإن عبء الإنفاق كان على كتفيها كله ولم تجد بدا من أن تتجرب فانشأت ذلك الحانوث برأس مال هو صفوة ما اتذكرت هي وزوجها فيما سلف وولعت الحمراء طفلها ولم يكن يثبت عزيمتها في العمل بل قد زادها إقبالا وهمة وكيف تتوانى في الشعيء وقد وكلت الأخضار إليها رعاية عزيزي زوج يشفى على الهلاك وطفل جاءها بعد فور انتظار فربح التجارة الحمراء وكان موت الزوج بعد ذلك قامينا أن يخذت في عبضيها ويقوض من تجارتها ويردها إلى موطنها الفرنسي ولكن نظرات هذا الطفل الأزرخ العينيني وابتساماته البهيجة الوضيئة كانت أقتضيها أن تدأب في السعي وتواصل الاتفاق ولا تبرح قرية الاستشفاء تأمينا لصحة الرضيع خشية أن يعد عليه داء أبيه وكذلك استجابت المرأة لهذا النداء فاستقرت في القرية تعمل وأقبلت على طفلها تهفله فشب سليما جسمي مبرأ من الأوصاب واطمأنت الحمراء بهذه الحياة التي أسبغت على الطفل نماء وعافية ورضيت عن هذا المرجر الذي يدر عليها رزقة طيبة والكذب الموفور فلم يدر ببالها أن تبرح هذه القرية بل قد قر في وليدة نفسها أن نجاة هذا الطفل مرهونة بالبقاء فيها فاتخذت منها وطنا وعاشت الحمراء لطفلها كان هو محور آمالها في الحياة تلمح فيه رجل المستقبل في البيت والمدجر وتؤمل منه أن يكون لها في الشيفوقة عوضا عن أبيه يحمل عنها ثقل العيش وبه تستند إلى خير معوان وكنت كلما توخيت الحانوثة في زوراتي للقرية أشهد الطفل يزكو ويترعرع حتى شب شبابه بيد أن ثماته وشمائله لم تكن تفارقها تلك الطفولة العابثة اللاهية فهو يقتحم المدجر وينصرف عنه في هرج ومرج وهو أبدا صياح ضحوك وهو من راح لا يبالي ما يفعل ولا ينحاش عن شيء وقد مارس الرياضة فشغفته حبا وما زال يتفنن فيها حتى ظفر في القرية بأثنى جوائز الإنزلاق وأصبح بطله فيها غير منازع ولا أنسى كيف كان يصافحني إذا بسط له يدي قد كان يعصر كفي بقوة كأنما يريد أن يشعرني بمبلغ فتوته وشدته وأمه قبالته تتوسمه بعين فيها وميد الزهو والاعتزاز ولا تلبف أن تفيد في التغني بمزاياه الرياضية والإشادة بشجاعته وإقدامه فيقطع حديثها بالضحك يملأ شدقي ويبعث صلصلته عالية الرمين ثم يشير إلي بسبابته قائلا في توكيد لا تصطقي أخيري إن هذه السيدة تغلو في حبها لتنها فلا تدري ما تقول ويميل على أمه آخرا بكتفيها وهو يقول يا الله شدما أنت رائعة الجمال في هذا الشعر الأحمر للقاني شدما أنت أنيقة في هذا الثوب الأسود اللماح ويختطف من خدها قبلة صاخبة ثم يسلم قدميه للطريق في ففة ونزق وتواردت الأعوام على الفتاة حتى أينع وآن للرجولة أن تستقبله وهو على حاله ليس له من هم إلا تزجية الوقت وتلهية النفس وممارسة الرياضات فإذا سئلت أمه لأي غد أعدت ولدها وأي مصير ينتهي إليه أجابت في تمامينة وأمام وقد تعلم ما فيه الكفاية وإن لم ينى الإجازة حسبه ميراث الزكاء من أبي وإنه لا قائم في ضد مقام أبي لسوف يحمل عني عدء البيت والملجر معن دعه في مراح التصوبة بعد وقت ومزالت في بطية كذلك كان يحيى في تلك القرية فتى الحمراء وهبت ريف الحرب العالمية الثانية فأنزمتني مقامي في مصر سبع خمين فلما صح الجو وتمهد الطريق أزمعت الارتحال إلى سويسرا على لحفة وشوق وطعبت من فوري إلى الجبل التمس زيارة الحمراء في قرية فلوزل وإذ أبلغني القطار باب المحقق نزلت إلى ضلة الصحفي أجاب صاحبها الحديث في بعض شؤون القرية وأهليها وكان لي به سابق عهد فأعرفت منه أن في حياتي فمت كما هي وأن صاحبة حانوت على حالها بالحانوت ولكن كارثة نزلت لها منذ أشهر قلال ماذا ألم بها؟ قضى ابنها فصرت مأخوذا كيف؟ أودى به حادث زلاق في مباريات الشتاء المنصر وأدبرت عن الرجلي تخطو بي قدمي في القرية قطوات طلقة وإذا أنا قد رأى لي غمامة بكناء تسبل سترها على الأفق المشمس تطمس نوره وتغيد بهجته وتضفي عليه الجهامة والعبوس وكذا يردني عن المضي هاجس مرة بنفسي إني لم أقصد هذه القرية إلا لزيارة الحمراء وهي اليوم في شغل بمصابها عن سائر الناس فيما زيارتي إياها ماذا أنا قائل لها؟ ما أزهدني في تلك الجلسة الكئيبة التي تضمني وإياها حين أقبل عليها الساعة ورجعت إلى المحطة أستدرك القطار في أوبته وهناك في حجرة الانتظار ظللت أذرع أرضها والأفكار تهيم بي في كل واج يا للقدر فيما يدبر من غرائب وعجائب هذه أم لم تكن تعيش إلا من أجل ولدها أحسنت القيام عليه والتعهد له حتى غذاك الفحل صل العودي مفين القوى لا يشكو بأسا ولا تتخونه علة وفي لحظة النكراء ترى نفسها قد فقدته آخر الأبد تلك امرأة عانت في سبيل ولدها ما عانت إذ خجرت وطنها الفرنسي ورضيت بالبقاء في جوار المرضى وأنصاف الموتى من نزلاء هذه القرية زادها كله في هذه الحياة بسمة ولدها حين يبتسم وبهجته حين يبتهي وضجته حين يغض ويروح فإذا هي اليوم صفر اليدين منه تفقد بفقدانه ما كان لها من زاد الحياة أنا لها أن تعيش بعدك وكيف يطيب لها المقام في بلد شهدت فيه مصرع حبيبيها الغايين زوجها من قبل وولدها من بعد وألقيت قدمية الزوجان بيه فوجدتني أن تحي مدجر الحمراء ودخلت الحانود وإيد القطة فتلقتني سيدته تصافحني في مودة وهي تقول قادم غيبك يا سيدي هي الحرب لم تدع لنا من سبيل الحرب ما أقساها عشنا في حرها زمنا وإن لم تنسسنا نارها وطففت المرأة تتحدث إلي فيما كابدت البلاد السويسرية أثناء تلك الحرب الشعواء وكانت الحمراء فيما تبدو لعين الرائي كما هي لم يطرأ عليها كبير تغير شعرها ما بارح في صبغته الأردوانية يتوهج وإن توضحت فيه بعض شعرات على هن المشيب ولبوسها الأسود كما عهدتها به وإن فارقه شيء من أناقته وهذا الوجه المطحم العريض هو وجهها وإن عرفت سبيلها إلى صدحته الغدون وحديثها ما بارح مقفضا بلهجته ونبرته وإن سرى في صوتها كذ وإعياء وقامت على مألوف عادتها تريني ألوانا من سلع المدجر فرعني أني لا أرى إلا خثالات عفراء تقادمت عليها الأيام وما كادت تقترب مني وبين يديها السلع حتى تعثرت وأوشكت أن تتهاوى فعجلت إليها أقيلها من حثارها فلم تكب تحس يدي وأنا آخر بساعدها حتى أمسكت بها تشد عليها وفجأة أطرقت تغطي وجهها بيمينها وانطلقت تنتحب ويعلو لها نشيد ووجدتني معقول اللسان لا أملك أن أنبس وكل ما كان مني أني أقبلت عليها أربث كتفها كما أضاطف طفلا جريحا نفسي مهيدا الجناح وإجلستها على كرسي وأخذت مكاني منها على مقرب ولما ذهب عنها الروع وخف النشيد قالت نهمهما ويدها تمسح بقايا الدمع في مآقيها معذرة يا سيدي لعلك لا تعلم أني فقدت فعاجلتها بقولي علمت كل شيء تشجعي يا سيدتي وسطي برحمة الله نعم نعم وأمسكت عن الكلام هميها ثم جعلت تسوي من شعرها ما تشعث وتعالج أن تظهر في بشاشة وتطلق وعادت إلى سلعها تميت عنها الغبار وترجع إليها ما لها من بهاء واستطردت تتحدث إلي شكولا من الأحاديث وهي تتكلف عبثا أن تكون كما كانت من قبل لغة الحديث مأنوسة الدعابة موفورة التسلية وما هي إلا فترة حتى أحسست بأني أسارع إلى إنقاذ الموقف فأسترسل في الكلام محاولا ما وسعني أن أحاول التلطفي في الحديث طلبا للترفيه والإيناس وفي أثناء التحدث كانت الحمراء تطلق بعض ضحكات خفاف أذكرتني ملامح من ذلك الماضي الغابر ماضيها حين كانت خلوا من الهم ذات قلب طروب وأضبقت يدي على يد الحمراء أهزها مودعا في تحمن وإشفاق وتركت الحانوثة حاملا ما اشتريته من السلع التوافه وأنا أحفت إلى محطة القطار ساقين عامان مضايا لم أقصد في هماس وسرة وفي صيف عام الثالث أقبلت عليها إقبال مشوق فكان أول شيء انبعثت له نفسي هو الإلمام بالحمراء في معقلها الأشم فلما أسلمني القطار إلى ظلة الصحف ابتدرت صاحبها أسائله ما مبلغ عينك بالحمراء وكأنما كنت أخشى أن أسمع منه ما يسوق وكأنه قرأ في وجه ما كنت أخشى فبدت على محياه ابتسامة فيها تقابط وهو يجيب لا تخش على صديقتك بحثا ما زالت حية تسعى إنها ما كثت في القرية حتى تشيع أهلها جميعا إلى الأجداف وعادلت عن النظلة يتبعني منه رمين ضفق بغيظ وتوجهت من فوري إلى الحانود فصدفته مغلقا وأسعقتني الذاكرة بأن اليوم يوم الأحد فيممت نحو كوخها في أطراف القرية وضغطت الزر الجرسي فلم يخطئ سمعي خفق قدميها وهي قادمة تفتح الباب وفوجئت بيه فصاحب تحييني نتهلله وشدت على يدي تقول ما أوثاك من صديق أنت لا تنسى عهد الصحبة وإن تباعدت الأيام وقلت وأنا أرنو إليها أتفحص وهل ينسى المرء صديقة مثلي ورافقتني إلى مجلس الدار وقربت لي مقعدا فيه ثم قدمت إلي كوبا من عصير الفاكهة وأخذت مكانها عن كثبي مني تسبق علي من شؤون القرية وأنباء أهليها في لهجة أنيسة محببة راعاني من الحمراء أني وجدتها تستعيد مظهرها القديم من بشاشة في الوجه وتأنق في الزي وتوخج في شعرها الأردواني ولولما تعقل على صفحة وجهها المطهم من غضون وما أدرك قوامها الممتلئ من ترقل لما أنكر أحد شيئا من حمراء الزمن الخالي وأبحت لعيني أن أتجول في أرجاء المجلس فطالعتني صور تتباين أوضاعها وعهودها لعامدي الأسرة الأبو وفتاه وإن بعض هذه الصور لا يتجلى ملونا زاهيا في إطارات رفيعة هي أثمن ما في المكان من متاع ونهضت الحمراء تقول هذا يوم الزورة الأسبوعية للأكبر تكون معي؟ إذا راقلك أن أكون لن يذهب وقتك عبثا فهناك لا ريب أصدقاء لك سيشعرون حكما بأنك تعيت إليه فزور فأنر قولها شجني وقلت كيف؟ فحدقت إلي تقول ألست معتقدا أن الأرواح تحوم هناك لتتعرق وجوه الزائرين؟ فغمغمت أجيب مهما يكن من أمر فإني مصاحبي في زيارتك وإنه لا يطيب إلي أن أزور الكبور أحس ساكنها بي أو لم يحس فصدبت عودها وأحدت نظرها فيي تقول كن على يقين أنهم يحسون بنا وأنهم يروننا ولكن لهم طابعا حاصلا في الرؤية والإحساس طابعا يلائم طبيعة تذأ الأرواح وكانت منها سكتة وإتراق ثم علت برأسها شاردة النظر تواصل قولها لم يخد غمني في كل مرة نزلت فيها قبر العزيزين لقد استشعرت وجودهما من حولي وإن من ذلك على ثقة ويقين ولو أوتيت موهبة القديسين الأطفال لثن بيني وبينهما لقاء ولدار بيني وبينهما حديث وما أوشكنا أن نبارح الكوخ حتى رأيت الحمراء تتوخى جانب المرآة تتقف قبالتها تسوي شعرها وتصلف هندامها ولم تنس أن تختم جينتها بنفحة من عثر وادع رقيق وقالت وهي تدلف الكرة خارجة كان ولدي كثيرا ما يقول لي شد ما أنت رائعة في هذا الشعر الأحمر القالي شد ما أنت أنيقة في هذا الثوب الأسول اللماح وابتسمت مستأنفة قولها ألا تجدني في مظهري هذا جذيرة بلقائك فلاطفت كثفها وأنا أجيبها ما كنت في مظهرك يوما محداجة إلى مزيد من عناية واحتفال وخرجنا إلى الطريق تنحدر منه إلى مسلك قد تطف الأقدام في المرج الفياح مسلك قصير المدى يكاد يخلو من السابلة وكانت الحمراء تسيرني وهي تصعد في الطريق متساوقة القطة ضاربة بعصاها أديم الأرض وانبعت تحدثني عن ولدها في استفادة وانقفاضة إنها لتصفه لي وإنها لتقص علي من أخباره التافه والطريف كأني لم أره وكأني لم أعرف من أمره أي شيء وظلت تشرد علي أحداث صباه وأطوار شبابه دون ترتيب ولا تنسيق غير متحرزة من التكرار والاستطراض ومما كانت تؤتده في وصف فتاها الراحل قولها ما كان أجمله من فتا أزرق العينين كأبي يتوقب ذكاء وأنمعية كأبي وكذلك كانت تردد قولها ما أشد قوته وقوته لو أراد اختلاع شجرة من جذورها لما فانته يده كأبيه وشرفنا ساحة المقابر فلمحتها على ربوث مستهرة حالية بالريحان يدور حولها صياج ساذج من فروع الشجر وأقبلنا داخلين فرأعني أن صفائح القبور تختلط بالشجيرات والأزاهير فكأنها مزاج من نبت الطبيعة على ظهر الأرض وأدنتني الحمراء من قبر على ذروته لوحان وألفيتها قد اتخذت منه قبلة ركعة تجاهها في تفشع اللحظات ثم جلسنا معا على صفة أمام الضريح نستبرق في تيار الأحلام وبقينا حينا في هذا الصمت العميق كلانا يستثير ما في ماضيه من ذكريات غالية ويستعيد ما له من أطياف عزيزة بعيدة ويستبني من عالم الغيب تلك الأرواح الكريمة عليه يبثها صفو المناجاة ثم نهضنا أنا والحمراء نهضنا خفيفين نشيطين يسري في أوصالنا مرح نفسي وبهرنا طره الروحاني وقد تمثلت لنا الدنيا من حولنا بعيثة كلها على تمأميمة ورضى ورجعنا أدراجنا يسير بنا المرج الفياح إلى الكوخ وكل منا خال إلى نصيبه من روعة تلك الزورة يستمتع به في صمت وهدوء ولما انتهى بنا السير إلى باب الكوخ أخافت بيد الحمراء أشد عليها مودعا وأنا أقول أشكر لك من أعماق قلبي حفاواتك بي وما يسرت لي من متعة طيبة لقد أتحت لي أن أنتقل إلى عالم حبيب إلى نفسي سأراك في الصيف المقبل لو قدرني أن أعود إن كتب لي عمر فستجدني هنا هنا على الدوام هنا في هذه القرية العزيزة وقطعت الطريق إلى محطة القطار تسوقني ألوان من التأملات حين قدمت هذه القرية منذ قليل كنت أعجب من أمر الحمراء كيف لا تبرحها ولم يبقى لها في أرجائها من شيء والآن وأنا أغادر القرية أحدث نفسي كيف تستطيع الحمراء أن تبارح قريتها ولها فيها كل شيء محموم صيموم ثم انطع